فصل: 1954- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَهُوَ كَمَا نَوَى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَابُ الطَّلاَقِ

1953 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

مِنْ الطَّلاَقِ مَنْ أَرَادَ طَلاَقَ امْرَأَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا‏:‏ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضَتِهَا، وَلاَ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ‏.‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ، أَوْ فِي حَيْضَتِهَا‏:‏ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الطَّلاَقُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، إِلاَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَذَلِكَ ثَالِثَةً أَوْ ثَلاَثَةً مَجْمُوعَةً فَيَلْزَمُ‏.‏ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَهُوَ طَلاَقُ سُنَّةٍ لاَزِمٌ كَيْفَمَا أَوْقَعَهُ إنْ شَاءَ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ طَلْقَتَيْنِ مَجْمُوعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلاَثًا مَجْمُوعَةً‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ‏:‏ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَامِلاً وَهُوَ لاَزِمٌ، وَلَوْ إثْرَ وَطْئِهِ إيَّاهَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْهَا قَطُّ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالِ طُهْرِهَا وَفِي حَالِ حَيْضَتِهَا إنْ شَاءَ وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ثَلاَثًا‏.‏ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ، أَوْ قَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا طَلَّقَهَا أَيْضًا كَمَا قلنا فِي الْحَامِلِ مَتَى شَاءَ‏.‏ وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ‏:‏ أَحَدُهَا هَلْ يَنْفُذُ الطَّلاَقُ الَّذِي هُوَ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لأََمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لاَ يَنْفُذُ‏.‏

وَالثَّانِي هَلْ طَلاَقُ الثَّلاَثِ بِدْعَةٌ أَمْ لاَ وَالثَّالِثُ صِفَةُ طَلاَقِ السُّنَّةِ‏.‏

برهان مَا قلنا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏ فَأَبَاحَ عَزَّ وَجَلَّ طَلاَقَ الَّتِي لَمْ تُمَسَّ بِالْوَطْءِ، وَلَمْ يَحُدَّ فِي طَلاَقِهَا وَقْتًا، وَلاَ عَدَدًا‏:‏ فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمُهَا وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَطَالَ مُكْثُهَا مَعَهُ، وَلاَ أَشْفَرَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ، لأََنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا‏.‏ وَلاَ تَكُونُ بِذَلِكَ مُحْصَنَةً، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الأَحْكَامِ مُتَنَاقِضٌ شَارِعٌ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَمِنْ أَيْنَ حَكَمْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِيَّاتِ إذَا طَلَّقَهُنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ‏.‏

قلنا‏:‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ وَأَخَصُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بِجَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ الآيَةَ، فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنَةً مِنْ كَافِرَةٍ فَهَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الْمَوْطُوءَةِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا‏}‏ وَالْعِدَّةُ لاَ تَكُونُ مِنْ الطَّلاَقِ إِلاَّ فِي مَوْطُوءَةٍ فَعَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ يَكُونُ طَلاَقُ الْمَوْطُوءَةِ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ تَعَدَّاهَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَلَمَ وَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَفِعْلُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الطَّلاَقَ الْمَذْكُورَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

فَنَظَرْنَا بَيَانَ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ‏"‏ طَلَّقْت امْرَأَتِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا أَوْ يُمْسِكَهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ فَكَانَ هَذَا بَيَانًا لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ بِنُقْصَانٍ عَمَّا أَوْرَدْنَاهُ‏:‏ مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

وَرُوِّينَا الأَخْذَ بِهَذَا عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ الأَخْذِ بِهَا وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ‏.‏

وَأَمَّا طَلاَقُ الْحَامِلِ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلًى لِطَلْحَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏:‏ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلاً‏.‏

وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَحِضْ أَوْ قَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْمَلَ لَنَا إبَاحَةَ الطَّلاَقِ، وَبَيَّنَ لَنَا طَلاَقَ الْحَامِلِ، وَطَلاَقَ الَّتِي تَحِيضُ، وَلَمْ يَحُدَّ لَنَا تَعَالَى فِي الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَلاَ فِي الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا حَدًّا، فَوَجَبَ أَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ طَلاَقَهَا مَتَى شَاءَ الزَّوْجُ، إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَقْتِ طَلاَقِهَا شَرْعٌ لَبَيَّنَهُ عَلَيْنَا ‏"‏‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ إنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ كَذَلِكَ، أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ، هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ الطَّلاَقُ أَمْ لاَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ادَّعَى بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ كَذَبَ مُدَّعِي ذَلِكَ، لأََنَّ الْخِلاَفَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا لَكَانَ الْقَاطِعُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ بِمَا لاَ يَقِينَ عِنْدَهُ بِهِ، وَلاَ بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ‏:‏ كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَهْبِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ الطَّلاَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ‏:‏ وَجْهَانِ حَلاَلٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ،

فأما الْحَلاَلُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلاً مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا،

وَأَمَّا الْحَرَامُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا أَوْ حِينَ يُجَامِعَهَا لاَ يَدْرِي أَيَشْتَمِلُ الرَّحِمُ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لاَ ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخْبِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا هُوَ جَائِزٌ بِأَنَّهُ حَرَامٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَمَنْ خَالَفَ فَإِنَّا لاَ نُطِيقُ خِلاَفَهُ ‏:‏، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ لاَ يُعْتَدُّ لِذَلِكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى طَلاَقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطَّلاَقِ، وَوَجْهَ الْعِدَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ وَجْهُ الطَّلاَقِ‏:‏ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا عَنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ‏:‏ لاَ يُعْتَدُّ بِهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلاَفِ هَذَا وَهُوَ لاَ يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ‏:‏ كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، غَيْرَ رِوَايَةٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏ إحْدَاهُمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا لاَ تَعْتَدُّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهَا ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏.‏ وَالْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ‏:‏ يَلْزَمُهُ الطَّلاَقُ وَتَعْتَدُّ بِثَلاَثِ حِيَضٍ سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَاهُنَا لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، وَفِي جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ فِي أَنَّ الطَّلاَقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ‏:‏ بِدْعَةٌ نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفَةٌ لأََمْرِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ‏:‏ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يُقِرُّونَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَضَلاَلَةٌ أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ مُجِيزَ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لأَِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَاحْتَجُّوا مِنْ الآثَارِ‏:‏ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ‏.‏ وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ طَلاَقَهُ لأَمْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ‏:‏ فَرَاجَعْتهَا وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا‏.‏ وَبِمَا فِي بَعْضِ تِلْكَ الآثَارِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ‏:‏ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا‏.‏ وَفِي بَعْضِهَا‏:‏ فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجَّلُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ‏:‏ رِوَايَةً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى السَّاجِيِّ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏، مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏:‏ أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فَمَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الثِّقَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ، فَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ الصَّغِيرُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلَّ كِذْبَةٍ، الْمُنْفَرِدُ بِكُلِّ طَامَّةٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، لأََنَّهُ تَغَيَّرَ بِآخِرَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِيهِ، لأََنَّهُ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ ‏"‏ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ ‏"‏ أَيْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ‏}‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِمْضَاءِ حُكْمِ بِدْعَتِهِ، وَتَجْوِيزِ مَا فِي الدِّينِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، كَمَا يَقُولُونَ هُمْ فِيمَنْ بَاعَ بَيْعًا لاَ يَحِلُّ، أَوْ نَكَحَ نِكَاحًا بِبِدْعَةٍ وَفِي سَائِرِ الأَحْكَامِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ نَافِعٍ فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ ‏"‏ فَلاَ بَيَانَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بِأَنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ عُدَّتْ لَهُ طَلْقَةٌ، وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِلَفْظٍ لاَ بَيَانَ فِيهِ، بَلْ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الزَّجْرَ عَنْ السُّؤَالِ عَنْ هَذَا، وَالْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فِي ذَلِكَ، وَالأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ لاَ يُعْتَدَّ بِهِ، وَأَنَّهُ سَقْطَةٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ يَسْتَحْمِقُ الْحَاكِمُ بِهِ وَيَعْجِزُ، بَلْ كُلُّ حُكْمٍ فِي الدِّينِ فَالْمُنَفِّذُ لَهُ مُسْتَغْفِلٌ كَيِّسٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا ‏"‏ وَقَوْلُهُ ‏"‏ وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا ‏"‏ فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَبَهَا تَطْلِيقَةً، وَلاَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ‏:‏ أَعْتَدَّ بِهَا طَلْقَةً، إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ، وَلاَ فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَهَذِهِ لَفْظَةٌ أَتَى بِهَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَحْدَهُ ‏;‏، وَلاَ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُ عليه الصلاة والسلام وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ مَعْنَاهُ‏:‏ وَهِيَ وَاحِدَةٌ أَخْطَأَ فِيهَا ابْنُ عُمَرَ، أَوْ وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لاَزِمَةٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ‏.‏ وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْمُسْنَدُ الْبَيِّنُ الثَّابِتُ، الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ ‏:‏، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَأَنَا أَسْمَعُ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ إنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَالَ‏:‏ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ إذَا شَاءَ أَوْ لِيُمْسِكْ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا مِمَّا قُرِئَ ثُمَّ رُفِعَتْ لَفْظَةُ ‏"‏ فِي قُبُلِ ‏"‏ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيْمَنَ فَذَكَرَهُ نَصًّا وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لاَ يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ‏.‏ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُرَاجَعَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ لَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، لأََنَّ ابْنَ عُمَرَ بِلاَ شَكٍّ إذْ طَلَّقَهَا حَائِضًا فَقَدْ اجْتَنَبَهَا، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ عليه الصلاة والسلام بِرَفْضِ فِرَاقِهِ لَهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلُ، بِلاَ شَكٍّ‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ الْوَرَعُ إلْزَامُهُ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إذْ قَدْ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَلَعَلَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلاَثًا‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ بَلْ هَذَا ضِدُّ الْوَرَعِ، إذْ تُبِيحُونَ فَرْجَهَا لأََجْنَبِيٍّ بِلاَ بَيَانٍ، وَإِنَّمَا الْوَرَعُ أَنْ لاَ تُحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ امْرَأَتُهُ الَّتِي نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ إِلاَّ بِيَقِينٍ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ وَالْمُحْتَمَلاَتِ فَلاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ إنْ وَجَدُوا فِي الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ مَا يَشْغَبُونَ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَأَيَّ شَيْءٍ وَجَدُوا فِي طَلاَقِهِ إيَّاهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ‏.‏

قلنا‏:‏ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ‏:‏ طُهْرٌ عَلَى حَيْضٍ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ إنَّكُمْ تُلْزِمُونَهُ الطَّلاَقَ فِي الْحَيْضِ، وَفِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ إذَا كَانَ طَلاَقًا ثَالِثًا أَوْ ثَلاَثَةً مَجْمُوعَةً، وَهِيَ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، لأََنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ لاَ إشْكَالَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فِيمَا كَانَ مِنْ الطَّلاَقِ دُونَ الثَّلاَثِ وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عُمَرَ، وَلَمْ يَأْمُرْ قَطُّ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلاَ فِيمَنْ طَلَّقَ ثَالِثَةً، أَوْ ثَلاَثَةً مَجْمُوعَةً وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عِدَّةُ طَلاَقٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا، كَمَا بَيَّنَّا بِنَصِّ الْقُرْآنِ‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ وَلَيْسَ هَذَا فِي طَلاَقِ الثَّلاَثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ ‏"‏ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ‏(‏ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ‏.‏ قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ أَأَنْت طَلَّقَتْ امْرَأَتَك مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ، وَإِنْ كُنْت طَلَّقْتهَا ثَلاَثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، وَعَصَيْت رَبَّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلاَقِ امْرَأَتِك‏)‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ بِالْمَعْصِيَةِ مَنْ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ دُونَ الثَّلاَثِ‏.‏

وَأَمَّا الأَخْتِلاَفُ فِي طَلاَقِ الثَّلاَثِ مَجْمُوعَةً أَهُوَ بِدْعَةٌ أَمْ لاَ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا‏.‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لاَ يَقَعُ أَلْبَتَّةَ، لأََنَّ الْبِدْعَةَ مَرْدُودَةٌ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ‏:‏ بَلْ يُرَدُّ إلَى حُكْمِ الْوَاحِدِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الطَّلاَقِ كَذَلِكَ‏.‏ قَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ بَلْ تَقَعُ كَمَا هُوَ، وَيُؤَدَّبُ الْمُطَلِّقُ كَذَلِكَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ لَيْسَتْ بِدْعَةً، وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ لاَ كَرَاهَةَ فِيهَا‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهَا تَبْطُلُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ‏}‏ إلَى قوله تعالى ‏{‏وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ‏}‏‏.‏ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَلاَ يَكُونُ طَلاَقًا إِلاَّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ‏.‏ قَالُوا‏:‏

وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا تَقُولُ‏:‏ سِيرَ بِهِ فَرْسَخَانِ‏.‏ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا مَخْرَمَةُ، هُوَ ابْنُ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَقْتُلُهُ‏.‏ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ مَخْرَمَةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ ‏"‏ الْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ ‏"‏ فَصَدَقُوا، وَلَوْ كَانَتْ بِدْعَةً لَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ وَتَبْطُلَ‏.‏

وَأَمَّا الآيَاتُ فَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ‏.‏ ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ طَلَّقَ مَرَّةً، ثُمَّ رَاجَعَ، ثُمَّ مَرَّةً، ثُمَّ رَاجَعَ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، أَبِبِدْعَةٍ أَتَى فَمَنْ قَوْلُهُمْ‏:‏ لاَ، بَلْ بِسُنَّةٍ فَنَسْأَلُهُمْ‏:‏ أَتَحْكُمُونَ لَهُ بِمَا فِي الآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ لاَ، بِلاَ خِلاَفٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَا فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَخَطَأٌ، بَلْ هَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ‏}‏ أَيْ مُضَاعَفًا مَعًا‏.‏ وَهَذِهِ الآيَةُ أَيْضًا تَعْلِيمٌ لِمَا دُونَ الثَّلاَثِ مِنْ الطَّلاَقِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ يَعْنِي الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي أَنَّ طَلاَقَ السُّنَّةِ هُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ‏.‏ وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ مِنْهُمْ‏:‏ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً‏:‏ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ مَنْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ مُتَتَابِعَتَيْنِ فِي كَلاَمٍ مُتَّصِلٍ‏:‏ طَلاَقَ سُنَّةٍ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَمَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ الثَّلاَثَ تُجْعَلُ وَاحِدَةً، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ الطَّلاَقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ‏:‏ طَلاَقُ الثَّلاَثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ الثَّلاَثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لأَبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الثَّلاَثَ كَانَتْ تُجْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ تُرَدُّ إلَى الْوَاحِدَةِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتُهُ أُمَّ رُكَانَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ‏:‏ رَاجِعْ امْرَأَتَكَ أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ فَقَالَ‏:‏ إنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلاَثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ‏:‏ قَدْ عَلِمْتُ أَرْجِعْهَا وَتَلاَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا احْتَجُّوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ عَنْ غَيْرِ مُسَمًّى مِنْ بَنِي أَبِي رَافِعٍ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مَجْهُولٍ، وَمَا نَعْلَمُ فِي بَنِي أَبِي رَافِعٍ مِنْ يُحْتَجُّ بِهِ إِلاَّ عُبَيْدُ اللَّهِ وَحْدَهُ وَسَائِرُهُمْ مَجْهُولُونَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِيهِ أَنَّ الثَّلاَثَ كَانَتْ وَاحِدَةً وَتُرَدُّ إلَى الْوَاحِدَةِ وَتُجْعَلُ وَاحِدَةً فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا وَاحِدَةً، أَوْ رَدَّهَا إلَى الْوَاحِدَةِ، وَلاَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ عَلِمَهُ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا الْخَبَرُ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ‏:‏ كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ كَذَا، وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَأَنَّهَا تَقَعُ فَإِنَّهُمْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاَءِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الرُّصَافِيِّ الْعِجْلِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ دَاوُد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ‏:‏ طَلَّقَ جَدِّي امْرَأَةً لَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا اتَّقَى اللَّهَ جَدُّكَ، أَمَّا ثَلاَثٌ فَلَهُ،

وَأَمَّا تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ فَعُدْوَانٌ وَظُلْمٌ، إنْ شَاءَ اللَّهُ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ‏.‏ وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَانَا طَلَّقَ أُمَّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ فَقَالَ‏:‏ إنَّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَيَجْعَلْ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلاَثٍ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ إثْمًا فِي عُنُقِهِ‏.‏ وَخَبَرٌ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ‏:‏، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ‏"‏ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ إنَّكَ قَدْ أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ وَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ فَقُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ طَلَّقْتُهَا ثَلاَثًا أَكَانَ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا قَالَ‏:‏ لاَ، كَانَتْ تَبِينُ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً‏.‏ وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ‏.‏ وَذَكَرُوا عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ طَاوُوس‏:‏ إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا أَمْرًا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَيْزَارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ‏:‏ كَانَ عُمَرُ إذَا ظَفَرَ بِمَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا أَوْجَعَ رَأْسَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا طَلُقَتْ وَعَصَى رَبَّهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَالَ‏:‏ لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ إِلاَّ هَذَا، وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لأََنَّهُ إمَّا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْعَلاَءِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ‏.‏ ثُمَّ هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا، لأََنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ‏:‏ أَنَّ وَالِدَ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَدْرَكَ الإِسْلاَمَ، فَكَيْفَ جَدُّهُ وَهُوَ مُحَالٌ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ ثُمَّ أَلْفَاظُهُ مُتَنَاقِضَةٌ فِي بَعْضِهَا ‏"‏ أَمَّا ثَلاَثٌ فَلَكَ ‏"‏ وَهَذَا إبَاحَةٌ لِلثَّلاَثِ، وَبَعْضُهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لأََنَّهُ عَنْ رُزَيْقِ بْنِ شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ الشَّامِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ وَجَهَالَتَهُ فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ‏.‏ وَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ ‏"‏ نَرَى النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا شَيْئًا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ‏"‏ فَلاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ طَلاَقَ الثَّلاَثِ مَعْصِيَةٌ أَصْلاً وَهُوَ صَحِيحٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يُقِرُّ أَنَّهُ يُنَفِّذُ الْبِدْعَةَ وَيَحْكُمُ بِمَا لاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ ثُمَّ وَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ‏:‏ إنَّ الطَّلاَقَ الثَّلاَثَ مَجْمُوعَةً سُنَّةٌ، وَلاَ بِدْعَةٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ فَهَذَا يَقَعُ عَلَى الثَّلاَثِ مَجْمُوعَةً وَمُفَرَّقَةً، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَذِهِ الآيَةِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ بِغَيْرِ نَصٍّ‏.‏

وَكَذَلِكَ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا‏}‏ عُمُومٌ لأَِبَاحَةِ الثَّلاَثِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ، وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً مِنْ مُطَلَّقَةٍ اثْنَتَيْنِ وَمِنْ مُطَلَّقَةٍ ثَلاَثًا‏.‏ وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏:‏ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ حَدِيثِ اللِّعَانِ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلاَنِيُّ مَعَ امْرَأَتِهِ وَفِي آخِرِهِ ‏:‏، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَوْ كَانَ طَلاَقُ الثَّلاَثِ مَجْمُوعَةً مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَمَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُبَاحَةٌ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا‏:‏ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ، أَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ، لأََنَّ قَوْلَكُمْ أَنَّهَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَبِينُ عَنْهُ إلَى الأَبَدِ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، لاَ فِيمَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ إنَّمَا طَلَّقَهَا وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ هَذَا مَا لاَ يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً لَسَبَقَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هَذَا الأَعْتِرَاضِ، فَإِنَّمَا حُجَّتُنَا كُلُّهَا فِي تَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا مَجْمُوعَةً امْرَأَةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، وَلاَ يَشُكُّ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ فَقَطْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَيْسَ كُلُّ مَسْكُوتٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الأَخْبَارِ يَكُونُ تَرْكُ ذِكْرِهِ حُجَّةً‏.‏ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ نَعَمْ، هُوَ حُجَّةٌ لاَزِمَةٌ إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ بَيَانٌ فِي خَبَرٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَحِينَئِذٍ لاَ يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ حُجَّةً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ إنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ‏.‏ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَحِلُّ لِلأَوَّلِ قَالَ‏:‏ لاَ، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الأَوَّلُ فَلَمْ يُنْكِرْ عليه الصلاة والسلام هَذَا السُّؤَالَ، وَلَوْ كَانَ لاَ يَجُوزُ لاََخْبَرَ بِذَلِكَ‏.‏ وَخَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورُ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ‏:‏ أَنَّ زَوْجَهَا ابْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا‏:‏ إنَّ ابْنَ حَفْصٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ‏:‏ سَمِعْت فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ طَلاَقِهَا قَالَتْ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ كَمْ طَلَّقَكَ قُلْتُ‏:‏ ثَلاَثًا، فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ، لَيْسَ لَكَ نَفَقَةٌ وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاَثًا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَقْتَحِمَ عَلَيَّ قَالَ‏:‏ فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا قَالَ‏:‏ لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةٌ‏.‏ فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهَا هِيَ وَنَفَرٌ سِوَاهَا بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا‏.‏ وَبِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَكَمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا وَلَمْ يُنْكِرْ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ، وَلاَ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ فِيهِ‏:‏ إنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرُ ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا مِنْ طَلاَقِهَا فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ‏:‏ فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَيْهَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فَحَدَّثَتْهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، هَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، فأما رِوَايَتُهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَمُنْقَطِعَةٌ، لَمْ يَذْكُرْ عُبَيْدُ اللَّهِ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلاَ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْهَا، إنَّمَا قَالَ‏:‏ إنَّ فَاطِمَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَأَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَيْهَا قَبِيصَةَ فَحَدَّثَتْهُ‏.‏

وَأَمَّا خَبَرُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَمُتَّصِلٌ إِلاَّ أَنَّ كِلاَ الْخَبَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ هِيَ، وَلاَ غَيْرُهَا بِذَلِكَ إنَّمَا الْمُسْنَدُ الصَّحِيحُ الَّذِي فِيهِ‏:‏ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَأَلَ عَنْ كَمِّيَّةِ طَلاَقِهَا وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، فَهِيَ الَّتِي قَدَّمْنَا أَوَّلاً وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَالِ جَاءَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام‏.‏

وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ رُوِيَ بِهِ خَبَرُ فَاطِمَةَ مِنْ ‏"‏ أَبَتَّ طَلاَقِي ‏"‏، ‏"‏ وَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ ‏"‏ ‏"‏ وَطَلَّقَهَا طَلاَقًا بَاتًّا ‏"‏ ‏"‏ وَطَلاَقًا بَائِنًا ‏"‏ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ عَلَيْهِ أَصْلاً‏.‏ فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ، وَثَبَتَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى مَا صَحَّ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، فَإِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ الَّذِي لاَ يَثْبُتُ عَنْهُ غَيْرُهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ رَفَعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ أَطَلَّقْت امْرَأَتَك فَقَالَ‏:‏ إنَّمَا كُنْت أَلْعَبُ، فَعَلاَهُ عُمَرُ بِالدَّرَّةِ وَقَالَ‏:‏ إنَّمَا يَكْفِيَك مِنْ ذَلِكَ ثَلاَثٌ فَإِنَّمَا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلاَثِ، وَأَحْسَنَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الثَّلاَثَ تَكْفِي وَلَمْ يُنْكِرْهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ‏:‏ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ بَانَتْ مِنْك بِثَلاَثٍ، وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ بَيْنَ نِسَائِك فَلَمْ يُنْكِرْ جَمْعَ الثَّلاَثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ‏:‏ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ‏:‏ بَانَتْ مِنْك بِثَلاَثٍ فَلَمْ يُنْكِرْ الثَّلاَثَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لأَبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ثَلاَثٌ تُحَرِّمُهَا عَلَيْك، وَبَقِيَّتُهَا عَلَيْك وِزْرًا، اتَّخَذْت آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا لَمْ يُنْكِرْ الثَّلاَثَ وَأَنْكَرَ مَا زَادَ‏.‏ وَاَلَّذِي جَاءَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لِمَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا ثُمَّ نَدِمَ ‏"‏ لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا ‏"‏ وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ‏:‏ نَعَمْ، إنْ اتَّقَى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ طَلاَقَهُ الثَّلاَثَ مَعْصِيَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ‏:‏ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ ثَلاَثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ‏.‏ وَهَذَانِ خَبَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يُنْكِرْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ الثَّلاَثَ مَجْمُوعَةً أَصْلاً، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلاَثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ طَلاَقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَخُصَّ طَلْقَةً مِنْ طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلاَثٍ‏.‏

فإن قيل‏:‏ قَدْ رَوَى الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى

قلنا‏:‏ نَعَمْ، هَذَا أَيْضًا سُنَّةٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ حَرَامٌ وَبِدْعَةٌ‏.‏

فإن قيل‏:‏ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلاَقِ مَا يُبِيحُ رَجُلٌ نَفْسَهُ فِي امْرَأَةٍ أَبَدًا يَبْدَأُ فَيُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَتَرَبَّصُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَمَتَى مَا شَاءَ رَاجَعَهَا‏.‏

قلنا هَذَا مُنْقَطِعٌ عَنْهُ، لأََنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا‏:‏ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَلاَ بِدْعَةٌ لاَ يُعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا‏.‏

وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي‏:‏ طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً فَقَالَ‏:‏ بَانَتْ مِنْك بِثَلاَثٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ إسْرَافٌ وَمَعْصِيَةٌ فَلَمْ يُنْكِرْ شُرَيْحٌ الثَّلاَثَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْإِسْرَافَ وَالْمَعْصِيَةَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ طَلاَقُ الْعِدَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَلَمْ يَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ، مِنْ اثْنَتَيْنِ لاَ يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ الثَّلاَثَ مَعْصِيَةٌ صُرِّحَ بِذَلِكَ إِلاَّ الْحَسَنُ‏.‏ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الثَّلاَثَ سُنَّةٌ‏:‏ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏

وَأَمَّا صِفَةُ طَلاَقِ السُّنَّةِ

فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَآخَرَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ يُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً‏.‏ وَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، أَوْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ‏.‏ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ وَمِثْلَهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ‏.‏ وَمِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَزَادَ فَإِنْ كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ فَلْيُطَلِّقْهَا عِنْدَ كُلِّ هِلاَلٍ تَطْلِيقَةً‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ‏.‏ وَمِمَّنْ كَرِهَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ‏:‏ اللَّيْثُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي طَلاَقِ الْحَامِلِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا، وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَاَلَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ‏:‏ فَإِنَّ النُّصُوصَ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي اللَّوَاتِي عِدَّتُهُنَّ الأَطْهَارُ‏.‏

وَأَمَّا الْحَامِلُ فَلَيْسَ لَهَا أَقْرَاءٌ تُرَاعَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ فِي صَدْرِ كَلاَمِنَا فِي الطَّلاَقِ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً فَبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام فِي الطَّاهِرِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَجْمَلُ طَلاَقِ الْحَامِلِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏

وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا فَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّاتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِنَّ‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى شَاءَ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ، أَوْ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَقَدْ قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا‏:‏ إنَّهُ يُطَلِّقُهَا عِنْدَ اسْتِهْلاَلِ الْهِلاَلِ وَهَذَا شَيْءٌ لاَ نُوجِبُهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ‏.‏

فإن قيل‏:‏ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَمِنْ حَيْثُ ابْتَدَأَ بِالْعِدَّةِ فَإِذَا أَتَمَّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَهُوَ شَهْرٌ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ‏}‏ فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ مَا قلنا، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِعَدَدِ الشُّهُورِ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ شَاءَ الْعَادُّ، أَوْ مِنْ حَيْثُ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْوَفَاةِ، أَوْ بِالشُّهُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1954- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَهُوَ كَمَا نَوَى سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَاهُ فِي مَوْطُوءَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ‏.‏

برهان ذَلِكَ أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ طَلاَقَ الثَّلاَثِ مَجْمُوعَةً سُنَّةٌ، وَأَنَّ اسْمَ الطَّلاَقِ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَعَلَى الثِّنْتَيْنِ، وَعَلَى الْوَاحِدَةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَا نَوَى مِنْ عَدَدِ الطَّلاَقِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا مِنْ الطَّلاَقِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، لأََنَّهَا أَقَلُّ الطَّلاَقِ فَهِيَ الْيَقِينُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ زِيَادَةٌ بِلاَ يَقِينٍ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ، وَالأَوْزَاعِيُّ‏:‏ يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ لاَ أَكْثَرُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1955 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى التَّكْرِيرَ لِكَلِمَتِهِ الْأُولَى وَإِعْلاَمَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ بِتَكْرَارِهِ شَيْئًا فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ غَيْرُ الْأُخْرَى فَهِيَ ثَلاَثٌ إنْ كَرَّرَهَا ثَلاَثًا، وَلاَ اثْنَتَانِ إنْ كَرَّرَهَا مَرَّتَيْنِ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، لأََنَّ تَكْرَارَهُ لِلطَّلاَقِ وَقَعَ وَهِيَ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ إذْ لاَ عِدَّةَ عَلَى غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ بَعْدُ، وَطَلاَقُ الأَجْنَبِيَّةِ بَاطِلٌ‏.‏ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قلنا‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ كَانَ وَصَلَ كَلاَمَهُ، وَلاَ يَقْطَعُ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ فَهِيَ ثَلاَثٌ لاَزِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَرَّقَ بَيْنَ كَلاَمِهِ بِسَكْتَةٍ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ كُلُّهَا لَوَازِمُ سَوَاءٌ فَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ طَلاَقٍ بِسَكْتَةٍ أَوْ لَمْ يُفَرِّقْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الطَّلاَقِ إِلاَّ مَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ الأَوَّلِ فَقَطْ‏.‏

فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ‏:‏، حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قَالَ‏:‏ هِيَ ثَلاَثٌ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ ثَنَّى ثُمَّ ثَلَّثَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا، لأََنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى وَصَحَّ هَذَا عَنْ خِلاَسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ، وطَاوُوس، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِّينَاهُ عَنْ مَسْرُوقٍ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ يَعْنِي لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قَالَ‏:‏ تَبِينُ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَالثِّنْتَانِ الَّتِي أَتْبَعَ لَيْسَتَا بِشَيْءٍ، فَقُلْت لَهُ‏:‏ عَمَّنْ تَحْفَظُهُ قَالَ‏:‏ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَهَا مُتَّصِلَةً‏:‏ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُخْرَيَانِ شَيْئًا وَمِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي مَنْصُورٌ‏:‏ حُدِّثْتُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إذَا قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، فَلاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا، غَيْرَهُ فَإِنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ لاَ بَيَانَ فِيهَا‏:‏ مِنْهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ إذَا طَلُقَتْ الْبِكْرُ ثَلاَثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ أَنَّ آخِرَ قَوْلِ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا‏:‏ أَنَّهُ إنْ شَاءَ خَطَبَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ‏:‏ طَلاَقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَمْ يَخُصُّوا مُفَرَّقَةً مِنْ مَجْمُوعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِمْ‏.‏ وَمِنْهَا أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ‏:‏ طَلَّقَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ وَاحِدَةٌ تُبِينُهَا وَثَلاَثٌ تُحَرِّمُهَا فَصَوَّبَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، لأََنَّ عُمَرَ بْنَ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبِكْرَ‏:‏ وَاحِدَةٌ تُبِينُهَا، وَثَلاَثٌ تُحَرِّمُهَا وَنَحْوُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَمْ يُبَيِّنُوا مُفَرَّقَةً أَمْ مَجْمُوعَةً‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَدَعْوَى بِلاَ برهان، وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ مُتَّصِلاً، وَبَيْنَ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ هُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ‏.‏ فَصَحَّ قَوْلُنَا، لأََنَّهُ بِتَمَامِ قَوْلِهِ لَهَا‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ وَحَلَّ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ وَلَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا وَلَيْسَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، فَطَلاَقُهُ لَهَا لَغْوٌ سَاقِطٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1956 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَإِنْ كَانَ نَوَى فِي قَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ‏:‏ أَنَّهَا ثَلاَثٌ فَهِيَ ثَلاَثٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَكِنْ نَوَى الثَّلاَثَ، إذْ قَالَ‏:‏ ثَلاَثًا لَمْ تَكُنْ طَلاَقًا إِلاَّ وَاحِدَةً، لأََنَّ بِتَمَامِ قَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ مِنْهُ فَصَارَ قَوْلُهُ ‏"‏ ثَلاَثًا ‏"‏ لَغْوًا لاَ مَعْنَى لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1957- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَطَلاَقُ النُّفَسَاءِ كَالطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ سَوَاءً سَوَاءً لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ثَلاَثًا مَجْمُوعَةً أَوْ آخِرُ ثَلاَثٌ قَدْ تَقَدَّمَتْ مِنْهَا اثْنَتَانِ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ إِلاَّ حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الطَّلاَقِ فِي الْحَيْضِ، وَأَمَرَ بِالطَّلاَقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، أَوْ حَامِلاً، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَيْسَ طُهْرًا، وَلاَ هُوَ حَمْلٌ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْحَيْضُ فَهُوَ حَيْضٌ، وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّ النِّفَاسَ لَيْسَ حَيْضًا، بَلْ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ، مِنْ تَرْكِ الصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَطْءِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَسْوَدَ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ حَيْضٌ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ أَمَدَ الْحَيْضِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي حَمْلٍ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لأَُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ‏:‏ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهما إذْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا‏:‏ أَنُفِسْتِ قَالَتْ‏:‏ نَعَمْ، فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيْضَ نِفَاسًا‏.‏ وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ جَرِيرٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ زَيْدٌ، وَعَطَاءٌ‏:‏ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ نُفَسَاءُ لَمْ تَعْتَدَّ بِدَمِ نِفَاسِهَا فِي عِدَّتِهَا‏.‏ وَقَالَ غَيْرُهُمَا غَيْرَ هَذَا‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ الْحَسَنِ فِي الَّتِي تَطْلُقُ وَهِيَ حَائِضٌ ثَلاَثَةً قَالَ‏:‏ تَعْتَدُّ بِهِ قَرْءًا مِنْ أَقْرَائِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا نُفَسَاءَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ طَلاَقًا رَجْعِيًّا فَحَمَلَتْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ بِجَهَالَةٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا، لأََنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدُ، تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَيَلْحَقُهَا إيلاَؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَيُلاَعِنُهَا إنْ قَذَفَهَا فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ مِنْ ذَوَاتِ الأَحْمَالِ‏.‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏‏.‏

وَكَذَلِكَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ الْوَفَاةُ إنْ مَاتَ وَسَوَاءٌ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلاَقُ ثَلاَثًا، أَوْ آخَرُ ثَلاَثٌ، أَوْ مُعْتَقَةٌ تَخَيَّرَتْ فِرَاقَهُ‏:‏ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلاَ إلَى عِدَّةٍ‏.‏ لَكِنْ إنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الأَوَّلِ عَدَّتْ جَمِيعَ حَمْلِهَا قُرْءًا ثُمَّ عَدَّتْ نِفَاسَهَا حَيْضًا، ثُمَّ تَأْتِي بِقُرْأَيْنِ بَعْدَهُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِهِ قُرْءًا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ طَرْفَةُ عَيْنٍ وَبَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مِنْهُ إِلاَّ طَرْفَةُ عَيْنٍ لأََنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ طُهْرٌ، فَإِنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي عَدَّتْ مُدَّةَ حَمْلِهَا قُرْءًا ثَانِيًا، ثُمَّ نِفَاسَهَا حَيْضًا، ثُمَّ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ بِقُرْءٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ عَدَّتْ مُدَّةَ حَمْلِهَا قُرْءًا، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا بِأَوَّلِ دَمٍ يَظْهَرُ مِنْهَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّتْ لِلأَزْوَاجِ، لأََنَّهَا قَدْ لَزِمَهَا الأَعْتِدَادُ بِالأَقْرَاءِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَحِيضُ فَكَانَ طَلاَقُهَا بَائِنًا كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏ أَوْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّةِ الشُّهُورِ وَتَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ بِتَمَامِهَا، وَلاَ مَعْنَى لِلْحَمْلِ حِينَئِذٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ، ثُمَّ تَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ بِتَمَامِهَا، وَلاَ يُرَاعَى الْحَمْلُ‏.‏ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا ‏"‏ تَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ ‏"‏ أَنَّهَا يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلاَ أَلْبَتَّةَ، حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْ دَمِ نِفَاسِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1958- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ زَوَاجُهَا إِلاَّ بَعْدَ زَوْجٍ يَطَؤُهَا فِي فَرْجِهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَالِ عَقْلِهِ وَعَقْلِهَا، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ يُحِلُّهَا لَهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلاَ وَطْءٌ فِي دُبُرٍ، وَلاَ وَطْؤُهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهِيَ فِي غَيْرِ عَقْلِهَا بِإِغْمَاءٍ أَوْ بِسُكْرٍ أَوْ بِجُنُونٍ، وَلاَ هُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ حِسِّهِ أَوْ مِنْ حِسِّهَا فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ، أَوْ فِي النَّوْمِ مَا تُدْرِكُ بِهِ اللَّذَّةَ أَحَلَّهَا ذَلِكَ إذَا مَاتَ ذَلِكَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي حَالٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ مِنْ صَوْمِ فَرْضٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْهَا، أَوْ إحْرَامٍ كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافٍ كَذَلِكَ، أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ‏:‏ فَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يُحِلُّهَا وَيُحِلُّهَا الْعَبْدُ يَتَزَوَّجُهَا، وَالذِّمِّيُّ إنْ كَانَتْ هِيَ ذِمِّيَّةً، وَلاَ يُحِلُّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً‏:‏ وَطْءُ سَيِّدُهَا لَهَا‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ فَفِي هَذِهِ الآيَةِ عُمُومُ كُلِّ زَوْجٍ، وَلاَ يَكُونُ زَوَاجًا إِلاَّ مَنْ كَانَ زَوَاجُهُ صَحِيحًا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ زَوْجًا، وَلاَ عُدَّ زَوَاجًا، وَفِيهَا تَحْلِيلُ رَجْعَتِهِ لَهَا بَعْدَ طَلاَقِ الزَّوْجِ‏.‏ وَبَقِيَ أَمْرُ الْوَطْءِ، وَأَمْرُ مَوْتِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَانْفِسَاخُ نِكَاحِهِ‏:‏ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَعْنِي ثَلاَثًا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ قَالَتْ‏:‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ تَحِلُّ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الآخَرِ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا‏.‏

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةُ عُمُومِ حِلِّهَا لَهُ بِالْوَطْءِ لاَ بِغَيْرِهِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَوْتُهُ، وَانْفِسَاخُ نِكَاحِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ، وَدَخَلَ فِي عُمُومِ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَإِنَّمَا قلنا ‏"‏ إنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ لاَ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ لَهَا ‏"‏ لأََنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا لَهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏.‏ وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ قَالَ سَعِيدٌ‏:‏ أَمَّا النَّاسُ فَيَقُولُونَ‏:‏ يُجَامِعُهَا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَقُولُ‏:‏ إذَا تَزَوَّجَهَا بِتَزْوِيجٍ صَحِيحٍ لاَ يُرِيدُ بِذَلِكَ إحْلاَلاً، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الأَوَّلُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ يَقُولُ فِي رَدِّهِ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَحَدِيثَ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ إنَّ هَذَا زَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ إِلاَّ مَا جَاءَ مَجِيءَ تَوَاتُرٍ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ هَهُنَا، لأََنَّ خَبَرَ عَائِشَةَ فِي ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَأْتِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا جَاءَ خَبَرُ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ‏.‏

وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ بِرَدِّ السُّنَّةِ الثَّانِيَةِ فِي أَنْ لاَ يَتِمَّ بَيْعٌ إِلاَّ بِأَنْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا فَإِنَّ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ، وَيَقُولَ‏:‏ هَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَوْ صَحَّ مَا خَفِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَجَاءَ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ وَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي إِلاَّ حَتَّى يُنْزِلَ فِيهَا‏.‏ وَلَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ‏:‏ إنَّ التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ، وَلاَ يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إِلاَّ بِأَغْلَظِ الأَسْبَابِ، أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا وَلَكِنَّ تَنَاقُضَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمِ يُطَلِّقُ الْكِتَابِيَّةَ ثَلاَثًا فَتَتَزَوَّجُ كِتَابِيًّا وَيَطَؤُهَا ثُمَّ يَمُوتُ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ‏:‏ أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لِلأَوَّلِ‏.‏ وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ‏:‏ لاَ يُحِلُّهَا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا إِلاَّ قَوْلَهُمْ‏:‏ لَيْسَ لَهُ طَلاَقٌ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا أَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ إحْلاَلِهَا إنْ مَاتَ أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا‏.‏ ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ‏:‏ إنْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ إسْلاَمِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَيُحِلُّهَا لَهُ أَمْ لاَ ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لاَ يُحِلُّهَا لَهُ، بَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ لاَ طَلاَقَ لَهُ، إذْ قَدْ صَحَّ طَلاَقُهُ،

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ بَلْ يُحِلُّهَا‏:‏ نَقَضُوا قَوْلَهُمْ فِي أَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ الْكِتَابِيِّ لاَ يُحِلُّهَا‏.‏

وَأَمَّا اخْتِلاَفُهُمْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، إِلاَّ شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ‏:‏ أَنَّهُ يُحِلُّهَا وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجًا مَا حَلَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِلاَ مَعْنًى إِلاَّ فَسَادُ عَقْدِهِ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الأَخْتِلاَفُ فِي هَلْ يُحِلُّهَا وَطْءُ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ‏:‏ دَخَلْنَا عَلَى عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا سَيِّدَهَا ثُمَّ خَلاَ عَنْهَا، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالاَ جَمِيعًا‏:‏ لاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَا لاَ يَرَيَانِ بَأْسًا بِالأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَيَتَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا زَوْجُهَا، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ إذَا لَمْ يُرِدْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ إحْلاَلَهَا فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ السَّيِّدُ زَوْجٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَبْدِ يَبِتُّ الأَمَةَ أَنَّهُ يُحِلُّهَا أَنْ يَطَأَهَا سَيِّدُهَا قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ مَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَبَتَّهَا ثُمَّ ابْتَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فَحَلاَلٌ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِمْ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ‏:‏ حَتَّى تَحِلَّ لَهُ مِنْ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ يَعْنِي‏:‏ الأَمَةَ تَطْلُقُ فَيَطَأَهَا سَيِّدُهَا دُونَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا آخَرَ‏.‏

وبه إلى خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ لاَ تَحِلُّ لَهُ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِقَوْلِ زَيْدٍ‏.‏

وَأَمَّا هَلْ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ وَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ قُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ رَجُلٌ بَتَّ أَمَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا وَلَمْ تَنْكِحْ بَعْدَهُ أَحَدًا، أَتَحِلُّ لَهُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ كَثِيرًا مَوْلَى الصَّلْتِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ‏:‏ لَوْ كُنْت وَطِئْتهَا بِمِلْكٍ حَلَّتْ لَك، وَلَكِنْ لاَ تَحِلُّ لَك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ سَوَاءً سَوَاءً صَحَّ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلاَفٌ ذَلِكَ‏:‏

رُوِّينَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرَى مِنْ عَوْرَتِهَا شَيْئًا إِلاَّ مَا يَرَى مِنْ حَرِيمَتِهِ، وَلاَ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، بِخِلاَفِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالْحَائِضِ، وَالصَّائِمَةِ فَرْضًا، وَالْمُحْرِمَةِ، لأََنَّ هَؤُلاَءِ إنَّمَا حُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ فَقَطْ وَهُوَ الْوَطْءُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1959 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

فَلَوْ رَغَّبَ الْمُطَلِّقُ ثَلاَثًا إلَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَيَطَؤُهَا لِيُحِلَّهَا لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ لِذَلِكَ فِي نَفْسِ عَقْدِهِ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا حَلَّتْ لِلأَوَّلِ، فَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا إذَا وَطِئَهَا، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَلاَ تَحِلُّ لَهُ بِهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ‏:‏ لاَ تَكُونُ حَلاَلاً إِلاَّ بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لاَ يَنْوِي بِهِ تَحْلِيلَهَا لِلَّذِي طَلَّقَهَا‏.‏ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمَوْصُولَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤَكِّلَهُ، وَالْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ‏.‏ وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ سِوَاهُ، ثُمَّ آثَارٌ بِمَعْنَاهُ إِلاَّ أَنَّهَا هَالِكَةٌ إمَّا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ الْكَذَّابِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُحَلِّلِ الآثِمِ الْمَلْعُونِ، وَالْمُحَلَّلِ لَهُ الآثِمِ الْمَلْعُونِ، مَنْ هُمَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ لاَ أُوتَى بِمُحِلٍّ، وَلاَ بِمُحَلَّلٍ إِلاَّ رَجَمْته‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ‏:‏ إنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ التَّحْلِيلِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ عَرَفْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَرَجَمَ فِيهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ كَذَّابٌ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ‏.‏ وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ نَدِمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ يُحَلِّلُهَا لَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ كِلاَهُمَا زَانٍ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَتَزَوَّجَهَا هَذَا السَّائِلُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنْهُ، أَتَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ لاَ، إِلاَّ بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّهُ سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرَادِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَرْزُوقٍ التُّجِيبِيَّ يَقُولُ‏:‏ إنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ نَدِمَا، وَكَانَ لَهُ جَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا، فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ‏:‏ لاَ، إِلاَّ بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، غَيْرِ مُدَالَسَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ آكِلُ الرِّبَا وَمُؤَكِّلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ، وَالْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَلاَوِي الصَّدَقَةِ، وَالْمُعْتَدِي، وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ‏:‏ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ‏:‏ عَنْ الأَمَةِ، هَلْ يُحِلُّهَا سَيِّدُهَا لِزَوْجِهَا إذَا كَانَ لاَ يُرِيدُ التَّحْلِيلَ يَعْنِي‏:‏ إذَا بَتَّ طَلاَقَهَا فَقَالَ عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ‏:‏ نَعَمْ، فَقَامَ عَلِيٌّ غَضْبَانَ وَكَرِهَ قَوْلَهُمَا‏.‏ وَعَنْ عَلِيٍّ‏:‏ لُعِنَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، كِلاَهُمَا‏:‏ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ يُحِلُّهَا لَهُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، قَالُوا‏:‏ إنْ نَوَى وَاحِدٌ مِنْ النَّاكِحِ، أَوْ الْمُنْكَحِ أَوْ الْمَرْأَةِ التَّحْلِيلَ، فَلاَ يَصْلُحُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لِلَّذِي طَلَّقَهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ نِكَاحُهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْلِيلِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَكُنْ مِسْمَارَ نَارٍ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ‏:‏ هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ الْمُحَلِّلُ مَلْعُونٌ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وطَاوُوس‏.‏

وَرُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ إنْ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلَّذِي طَلَّقَهَا فَأَعْجَبَتْهُ قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ يُجَدِّدُ نِكَاحًا‏.‏

وقال مالك‏:‏ إنْ نَوَى الزَّوْجُ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلأَوَّلِ فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ، وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، وَلاَ تَحِلُّ بِوَطْئِهِ لِلأَوَّلِ‏.‏ وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى إجَازَةِ ذَلِكَ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏:‏ أَرْسَلَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا، وَلاَ يُطَلِّقَهَا، وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إنْ طَلَّقَهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِهِ‏.‏ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ‏:‏ إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا لِتَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُطَلِّقُ، وَلاَ هِيَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِسَابًا فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ تَرْجِعَ إلَى الأَوَّلِ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّانِي ذَلِكَ لِلأَوَّلِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَامِدًا مُحَلِّلاً ثُمَّ رَغِبَ فِيهَا فَأَمْسَكَهَا قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ‏:‏

وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الزَّوْجُ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ الْمُحَلِّلُ الَّذِي يَفْسُدُ نِكَاحُهُ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا

فأما مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ نَوَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ‏:‏ وَهُوَ مَأْجُورٌ‏.‏

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ‏:‏ فَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً سَوَاءً‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ أَنَّهُ إذَا نَوَى الثَّانِي تَحْلِيلَهَا لِلأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ‏:‏ أَنَّهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا لِلأَوَّلِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَيُحْصَنَانِ بِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا حَلَّتْ لِلأَوَّلِ‏.‏

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا احْتِجَاجُ الْمَالِكِيِّينَ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ‏.‏ أَمَّا عُمَرُ فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُحَلِّلُ الْمَلْعُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ فَلَيْسُوا أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَلاَ يَرَوْنَ فِيهِ الرَّجْمَ‏.‏ ثُمَّ قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عُمَرَ إجَازَةَ طَلاَقِ الْمُحَلِّلِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهَا ‏"‏ عَنْهُمَا ‏"‏ أَيْ الْمُحَلِّلِينَ هُوَ الْمَلْعُونُ وَنَحْنُ نَقُولُ‏:‏ إنَّ الْمَلْعُونَ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ نِكَاحَهُ مُعْلِنًا بِذَلِكَ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي تِلْكَ الْفُتْيَا بِعَيَنِهَا فِي أَنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ يُحَلِّلُهَا لِلَّذِي بَتَّهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ فِي مَوْضِعٍ، وَلاَ يُحْتَجَّ بِهِ فِي آخَرَ هَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي أَنَّهُ زِنًى‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ عَنْهُ بَيَانُ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَلاَ أَنَّهَا لاَ تَحِلُّ بِهِ، وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَعَ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، فَنَعَمْ، كُلُّ مَا قَالَهُ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ حَقٌّ، إِلاَّ أَنَّنَا وَجَمِيعُ خُصُومِنَا لاَ نَخْتَلِفُ فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لَيْسَ عُمُومًا لِكُلِّ مُحَلٍّ، وَلِكُلِّ مُحَلَّلٍ لَهُ،

وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ لَلَعَنَ كُلَّ وَاهِبٍ وَكُلَّ مَوْهُوبٍ لَهُ، وَكُلَّ بَائِعٍ وَكُلَّ مُبْتَاعٍ لَهُ، وَكُلَّ نَاكِحٍ وَكُلَّ مُنْكَحٍ، لأََنَّ هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ مُحِلُّونَ لِشَيْءٍ كَانَ حَرَامًا وَمُحَلَّلٌ لَهُمْ أَشْيَاءُ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ‏.‏ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ الْمُحِلِّينَ وَبَعْضَ الْمُحَلَّلِ لَهُمْ، فَإِذًا هَذَا كَالشَّمْسِ وُضُوحًا وَيَقِينًا لاَ يُمْكِنُ سِوَاهُ فَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ أَرَادَ أَمْرَ كَذَا إِلاَّ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَارِدٍ لاَ شَكَّ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُقَوِّلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَمُخْبِرٌ عَنْهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِذَا هَذَا كُلُّهُ يَقِينٌ فَالْمُحِلُّ الْمَلْعُونُ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ كَذَلِكَ‏:‏ إنَّمَا هُمَا بِلاَ شَكٍّ مَنْ أَحَلَّ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِلاَ نَصٍّ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا‏:‏ هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلاَثًا، أَمْ لاَ يَدْخُلُ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً ثَلاَثًا فَإِنَّهُ بِوَطْئِهِ لَهَا مُحِلٌّ وَالْمُطَلِّقُ مُحَلَّلٌ لَهُ نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِي هَذَا الْوَعِيدِ، لأََنَّهُ حَتَّى إنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ إِلاَّ صَحِيحًا بَرِيًّا مِنْ كُلِّ شَرْطٍ، بَلْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛

وَأَمَّا بِنِيَّتِهِ لِذَلِكَ‏:‏ فَقَدْ قلنا فِيهَا الآنَ مَا كَفَى‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا يَقُولُونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لاَ يُمْسِكَهَا إِلاَّ شَهْرًا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَكَانَ عَقْدًا فَاسِدًا مَفْسُوخًا فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَجَازُوهُ، وَبَيْنَ مَا مَنَعُوا مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا لأََحَدِ النَّاكِحِينَ عَلَى صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ يُبَيِّنُ حُكْمَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ‏:‏ عُفِيَ لأَُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ قَوْلِهِ لِلَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ الْقُرَظِيّ وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لاَ، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام‏.‏ فَلَمْ يَجْعَلْ عليه الصلاة والسلام إرَادَتَهَا الرُّجُوعَ إلَى الَّذِي طَلَّقَهَا ثَلاَثًا مَانِعًا مِنْ رُجُوعِهَا إذَا وَطِئَهَا الثَّانِي فَصَحَّ بِذَلِكَ قَوْلُنَا، وَبَقِيَ قَوْلُهُمْ وَتَأْوِيلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ كُلِّ

برهان وَدَعْوَى لاَ حُجَّةَ عَلَى صِحَّتِهَا‏.‏ وَصَحَّ أَنَّ الْمُحَلِّلَ الْمَلْعُونَ هُوَ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا بِبَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَيَعْقِدَانِ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا فَهَذَا حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لأََنَّهُمَا تَشَارَطَا شَرْطًا يَلْتَزِمَانِهِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إبَاحَةُ الْتِزَامِهِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ عُقِدَ عَلَى أَنْ لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ لاَ صِحَّةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ‏.‏

فَإِنْ ذَكَرُوا‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَرْوِيُّ عَنْ دَاوُد حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لاَ نِكَاحَ إِلاَّ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لاَ نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَلاَ مُسْتَهْزِئٍ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ‏.‏ فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، لأََنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيَّ ضَعِيفٌ جِدًّا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ثُمَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ أَمَّا ابْنُ مُجَمِّعٍ،

وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ كِلاَهُمَا أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ لاَ يُحْتَجُّ بِهِمَا‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَيْنَا حُجَّةٌ، لأََنَّهُمْ لاَ يَأْتُونَنَا بِأَيِّ الْمُحَلِّلِينَ أَرَادَ عليه السلام وَقَدْ بَيَّنَّا قِيلَ‏:‏ إنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُرِدْ كُلَّ مُحَلِّلٍ، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ لاَ نِكَاحَ إِلاَّ نِكَاحَ رَغْبَةٍ وَهَذَا نِكَاحُ رَغْبَةٍ فِي تَحْلِيلِهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏ وَهُوَ زَوْجٌ غَيْرُهُ بِلاَ شَكٍّ‏.‏ وَكَمَا بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام حَتَّى يَذُوقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُسَيْلَةَ الآخَرِ فَهُوَ إذَا وَطِئَهَا قَدْ ذَاقَ كُلُّ وَاحِدٍ عُسَيْلَةَ الآخَرِ‏.‏ وَفِيهِ‏:‏ لاَ نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَلَيْسَ هَذَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ إنَّمَا الدُّلْسَةُ‏:‏ أَنْ يُدَلِّسَ لَهُ بِغَيْرِ الَّتِي تَزَوَّجَ أَوْ الَّذِي يَتَزَوَّجُ، لاَ رَغْبَةً فِي نِكَاحٍ، لَكِنْ لِيَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا، وَهُمْ يُبِيحُونَ نِكَاحَ مَنْ لاَ تُنْكَحُ إِلاَّ لِمَالِهَا أَوْ لِحَسَبِهَا أَوْ لِوَجَاهَةِ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا، لاَ رَغْبَةً فِيهَا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ‏.‏ وَفِيهِ‏:‏ وَلاَ مُسْتَهْزِئَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَانِ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مُسْتَهْزِئًا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَامِلُونَ بِهِ مُمْتَنِعُونَ مِنْ خِلاَفِهِ، إذْ قَصَدُوا مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إِلاَّ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، إنَّمَا الْمُسْتَهْزِئُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يُخَالِفُ مَا فِيهِ، أَوْ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى سُقُوطِهِ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ‏.‏ وَخَبَرٌ آخَرُ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِخَبَرِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إذْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، وَذِكْرِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ مِثْلُ هُدْبَةٍ مِنْ ثَوْبِهَا وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام‏:‏ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ‏.‏

ثُمَّ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ‏:‏ أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَقَدَتْ، ثُمَّ جَاءَتْهُ بَعْدُ فَأَخْبَرَتْهُ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ مَسَّهَا، فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا الأَوَّلِ، وَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ إنَّمَا بِهَا أَنْ يُحِلَّهَا لِرِفَاعَةِ لاَ يَتِمُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي خِلاَفَتِهِمَا فَمَنَعَاهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ فَهَذِهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لأََنَّ فِيهِ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبْطِلْ نِكَاحَهَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعَ تَقْدِيرِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ إحْلاَلَهَا لِرِفَاعَةِ، لَكِنْ لَمَّا أَنْكَرَتْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَطِئَهَا، ثُمَّ لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَهُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَطَأَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ الْإِنْكَارِ، وَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا‏.‏ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام‏:‏ إنْ كَانَ إنَّمَا بِهَا أَنْ يُحِلَّهَا لِرِفَاعَةِ فَلاَ يَتِمُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى، إنَّمَا هُوَ بِلاَ شَكٍّ أَنَّهُ لاَ يَتِمُّ لِرِفَاعَةِ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى‏.‏ وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَخْتَلِفُونَ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةُ الزَّوْجِ الثَّانِي إحْلاَلَهَا لِلأَوَّلِ وَكَانَتْ هِيَ لَمْ تَنْوِ قَطُّ بِزَوَاجِهَا إيَّاهُ إِلاَّ لِتَحْلِيلِهَا لِلأَوَّلِ، فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْعَقْدِ وَبِالْوَطْءِ فِيهِ وَهَذَا خِلاَفٌ لِهَذَا الْخَبَرِ بِيَقِينٍ‏.‏ وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ‏:‏ أَنَّهَا لاَ تُصَدَّقُ إذَا أَنْكَرَتْ مَسَّ الثَّانِي لَهَا، ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَهُ إِلاَّ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، فَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا وَبِهَذَا نَقُولُ‏:‏ إنَّهَا لاَ تُصَدَّقُ، إِلاَّ حَتَّى يَجْتَمِعَ إقْرَارُهَا وَإِقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ، أَوْ تَقُومَ بِوَطْئِهِ لَهَا بَيِّنَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَلَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ أُجْرَةً فَهِيَ أُجْرَةٌ حَرَامٌ، فُرِضَ رَدُّهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي خَصَّ نِيَّةَ الزَّوْجِ الثَّانِي دُونَ نِيَّتِهَا، وَدُونَ نِيَّةِ الْمُطَلِّقِ‏.‏

1960 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

لاَ يَقَعُ طَلاَقٌ إِلاَّ بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَلْفَاظٍ‏:‏ إمَّا الطَّلاَقُ، وَأَمَّا السَّرَاحُ، وَأَمَّا الْفِرَاقُ‏.‏ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ يَقُولَ‏:‏ مُطَلَّقَةٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقَةٌ، أَوْ أَنْتِ الطَّلاَقُ أَوْ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَوْ قَدْ سَرَحْتُك، أَوْ أَنْتِ السَّرَاحُ أَوْ أَنْتِ مُفَارَقَةٌ، أَوْ قَدْ فَارَقْتُك، أَوْ أَنْتِ الْفِرَاقُ‏.‏ هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ، فَإِنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ‏:‏ لَمْ أَنْوِ الطَّلاَقَ، صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ فِي الطَّلاَقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وَصُدِّقَ فِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏‏.‏

وَقَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏‏.‏ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ‏.‏ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى حِلَّ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ إِلاَّ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ، فَلاَ يَجُوزُ حَلُّ عُقْدَةٍ عُقِدَتْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِمَا نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُنَا‏:‏ إنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الطَّلاَقَ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏.‏

وَأَمَّا تَفْرِيقُنَا بَيْنَ أَلْفَاظِ الطَّلاَقِ، فَلَمْ يُوجِبْ أَنْ يُرَاعَى قَوْلُهُ فِيهَا‏:‏ لَمْ أَنْوِ الطَّلاَقَ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً وَرَاعَيْنَا ذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ ‏"‏ السَّرَاحِ، وَالْفِرَاقِ ‏"‏ فَلأََنَّ لَفْظَةَ ‏"‏ الطَّلاَقِ ‏"‏ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا لاَ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِهَا فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إِلاَّ عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ فَقَطْ، لاَ مَعْنًى آخَرَ أَلْبَتَّةَ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي دَعْوَاهُ فِي حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَفِي إسْقَاطِ حُقُوقٍ وَجَبَتْ يَقِينًا لِلْمَرْأَةِ بِالطَّلاَقِ قَبْلَهُ‏.‏ وَرَاعَيْنَا دَعْوَاهُ تِلْكَ فِي الْفُتْيَا، لأََنَّهُ قَدْ يُرِيدُ لَفْظًا آخَرَ فَيَسْبِقَهُ لِسَانُهُ إلَى مَا لَمْ يُرِدْهُ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إِلاَّ بِقَوْلِهِ، فَقَوْلُهُ كُلُّهُ مَقْبُولٌ لاَ يَجُوزُ أَخْذُ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏ السَّرَاحُ، وَالْفِرَاقُ ‏"‏ فَإِنَّهُمَا تَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي شَرَائِعِهِ عَلَى حَلِّ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَعَلَى مَعَانٍ أُخَرَ وُقُوعًا مُسْتَوِيًا لَيْسَ مَعْنًى مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي أَحَقَّ بِتِلْكَ اللَّفْظَةِ مِنْ سَائِرِ تِلْكَ الْمَعَانِي، فَيَكُونُ‏:‏ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَيْ‏:‏ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ لِلْخُرُوجِ إذَا شِئْت، وَبِقَوْلِهِ قَدْ فَارَقْتُك، وَأَنْتِ مُفَارَقَةٌ، فِي شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تُوَافِقْهُ فِيهِ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِحِلِّ عَقْدٍ صَحِيحٍ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ يَقِينِ مَا يُوجِبُ حِلَّهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1961- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَا عَدَا هَذِهِ الأَلْفَاظُ فَلاَ يَقَعُ بِهَا طَلاَقٌ أَلْبَتَّةَ نَوَى بِهَا طَلاَقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ لاَ فِي فُتْيَا، وَلاَ فِي قَضَاءٍ‏:‏ مِثْلُ‏:‏ الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَأَنْتِ مُبَرَّأَةٌ، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَالْحَرَجُ، وَقَدْ وَهَبْتُك لأََهْلِك، أَوْ لِمَنْ يَذْكُرُ غَيْرَ الأَهْلِ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ‏.‏ وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ مُخْتَلِفَةُ الْفُتْيَا عَنْ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَصْلاً، وَلاَ حُجَّةَ فِي كَلاَمِ غَيْرِهِ عليه الصلاة والسلام، لاَ سِيَّمَا فِي أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ‏.‏

فأما التَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ، وَقَدْ وَهَبْتُك فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ وَنَذْكُرُ هَهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يُسِّرَ لَنَا مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي سَائِرِ الأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ نَذْكُرْهَا قَبْلُ‏.‏ هَهُنَا أَيْضًا أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ‏:‏ الْبَائِنُ، وَأَلْبَتَّةَ، وَاعْتَدِّي، وَأَلْحِقِي بِأَهْلِك وَأَمْرُك بِيَدِك‏.‏

فأما أَمْرُك بِيَدِك فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فَلاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي سَائِرِ هَذِهِ الأَلْفَاظِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ هَهُنَا أَيْضًا أَلْفَاظٌ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ صَحِيحٌ، وَلاَ سَقِيمٌ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلَكِنْ جَاءَتْ فِيهَا فَتَاوَى مُخْتَلِفَةٌ عَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ، فَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا ذِكْرُهُ‏.‏

وَأَمَّا الأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ يَأْتِ فِيهَا أَثَرٌ لاَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ رحمهم الله وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِيهَا فَتَاوَى عَنْ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ بِآرَائِهِمْ، فَلاَ مَعْنَى لِلأَشْتِغَالِ بِهَا، لأََنَّهُ لاَ يَسْتَحِلُّ تَفْرِيقُ نِكَاحِ مُسْلِمٍ، وَإِبَاحَةُ فَرْجِ مُسْلِمَةٍ لِغَيْرِ مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إِلاَّ مُقَلِّدٌ ضَالٌّ بِتَقْلِيدِهِ، مُسْتَهْلِكٌ هَالِكٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏